والعصر [ 1] إن الإنسان لفي خسر [ 2] إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر [ 3]. أقسم الله تعالى بالعصر قسما يراد به تأكيد الخبر كما هو شأن أقسام القرآن. والمقسم به من مظاهر بديع التكوين الرباني الدال على عظيم قدرته وسعة علمه. وللعصر معان يتعين أن يكون المراد منها لا يعدوا أن يكون حالة دالة على صفة من صفات الأفعال الربانية ، يتعين إما بإضافته إلى ما يقدر ، أو بالقرينة ، أو بالعهد ، وأيا ما كان المراد منه هنا فإن القسم به باعتبار أنه زمن يذكر بعظيم قدرة الله تعالى في خلق العالم وأحواله ، وبأمور عظيمة مباركة مثل الصلاة المخصوصة أو عصر معين مبارك. وأشهر إطلاق لفظ العصر أنه علم بالغلبة لوقت ما ، بين آخر وقت الظهر وبين [ ص: 529] اصفرار الشمس ، فمبدؤه إذا صار ظل الجسم مثله بعد القدر الذي كان عليه عند زوال الشمس ، ويمتد إلى أن يصير ظل الجسم مثلي قدره بعد الظل الذي كان له عند زوال الشمس. وذلك وقت اصفرار الشمس ، والعصر مبدأ العشي. ويعقبه الأصيل والاحمرار ، وهو ما قبل غروب الشمس. قال الحارث بن حلزة: آنست نبأة وأفزعها القن اص عصرا وقد دنا الإمساء فذلك وقت يؤذن بقرب انتهاء النهار ، ويذكر بخلقة الشمس والأرض ، ونظام حركة الأرض حول الشمس ، وهي الحركة التي يتكون منها الليل والنهار كل يوم ، وهو من هذا الوجه كالقسم بالضحى وبالليل والنهار وبالفجر من الأحوال الجوية المتغيرة بتغير توجه شعاع الشمس نحو الكرة الأرضية.
وقال الشافعي رحمه الله: لو تدبر الناس هذه السورة ، لوسعتهم. العصر: الزمان الذي يقع فيه حركات بني آدم ، من خير وشر. وقال مالك ، عن زيد بن أسلم: هو العشي ، والمشهور الأول.
حدثني عمران بن بكار الكلاعي ، قال: ثنا خطاب بن عثمان ، قال: ثنا عبد الرحمن بن سنان أبو روح السكوني ، حمصي لقيته بإرمينية ، قال: سمعت الحسن يقول في ( وتواصوا بالحق) قال: الحق: كتاب الله. وقوله: ( وتواصوا بالصبر) يقول: وأوصى بعضهم بعضا بالصبر على العمل بطاعة الله. حدثنا بشر ، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد ، عن قتادة ( وتواصوا بالصبر) قال: الصبر: طاعة الله. [ ص: 591] حدثني عمران بن بكار الكلاعي ، قال: ثنا خطاب بن عثمان ، قال: ثنا عبد الرحمن بن سنان أبو روح ، قال: سمعت الحسن يقول في قوله: ( وتواصوا بالصبر) قال: الصبر: طاعة الله. حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال: ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ( وتواصوا بالصبر) قال: الصبر: طاعة الله. آخر تفسير سورة والعصر
إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) قوله تعالى: إن الإنسان لفي خسر هذا جواب القسم. والمراد به الكافر; قاله ابن عباس في رواية أبي صالح. وروى الضحاك عنه قال: يريد جماعة من المشركين: الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، والأسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى ، والأسود بن عبد يغوث. وقيل: يعني بالإنسان جنس الناس. لفي خسر لفي غبن. وقال الأخفش: هلكة. الفراء: عقوبة; ومنه قوله تعالى: وكان عاقبة أمرها خسرا. ابن زيد: لفي شر. وقيل: لفي نقص; المعنى متقارب. وروي عن سلام والعصر بكسر الصاد. وقرأ الأعرج وطلحة وعيسى الثقفي خسر بضم السين. وروى ذلك هارون عن أبي بكر عن عاصم. والوجه فيهما الإتباع. ويقال: خسر وخسر; مثل عسر وعسر. وكان علي يقرؤها ( والعصر ونوائب الدهر إن الإنسان لفي خسر وإنه فيه إلى آخر الدهر). وقال إبراهيم: إن الإنسان إذا عمر في الدنيا وهرم ، لفي نقص وضعف وتراجع; إلا المؤمنين ، فإنهم تكتب لهم أجورهم التي كانوا يعملونها في حال شبابهم; نظيره قوله تعالى: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين. قال: وقراءتنا ( والعصر إن الإنسان لفي خسر وإنه في آخر الدهر). والصحيح ما عليه الأمة والمصاحف.