لقد أخذنا المفكرات السنوية من الطباعة الغربية، ولكننا لم نأخذ بعد افتنانهم في أوضاعها ولا في موضوعاتها. فقلما تختلف مفكراتنا السنوية بغير الحجم وصنف الورق ولون الغلاف، وقد يزيدون عليها بعض الحكم والأمثال على غير قصد مرسوم أو تفرقة منوعة وإني لأكتب هذا المقال وأود أن يصل إلى طائفة من الناشرين والطابعين فيتخذوا من المفكرات مروجاً للأدب ومن الأدب مروجاً للمفكرات، ويخرجوا لنا مفكرة للمتنبي ومفكرة للبحتري ومفكرة لابن الرومي، ومفكرات للجاحظ وابن المقفع ومحمد عبده وقاسم أمين وسعد زغلول وسائر العظماء من الكتاب والمصلحين والقادة في عصورنا الغابرة والحاضرة. وإذا خيفت قلة الإقبال على مفكرة مقصورة على أديب واحد فلتطبع منها طبعات متفرقة لأدباء متعددين.
ففي الغرب حيث يستغني القراء عن التشويق والإغراء يوجد التشويق على أبرعه والإغراء على أشده وفي الشرق حيث يحتاجون إلى جميع المشوقات والمغريات لا يوجد من يُغرى ولا من يُغرى، ولا يزالون على ما بهم من الجهل كأنهم أزهد الناس في الدرس والاطلاع وليس هذا وحده بمعرض العجب في شؤون الكتابة والقراءة عندهم وعندنا ففي الغرب حيث يظفر الكاتب بأحسن الجزاء من قرائه يعطيهم ما يعطي من ثمراته، ولا ترهقه الشروط، ولا تثقل عليه القيود، ولا يتمحلون له أسباب العيب والتجني والانتقاص. فليس في إنجلترا من يشترط على برنارد شو مثلاً أن يحلق لحيته، أو يقلع بدعة النباتية في طعامه، أو يدين في السياسة والاجتماع بمثل ما يدين به، أو ينهج في معيشته أو اعتقاده نهجاً غير الذي ارتضاء لنفسه وفي الشرق حيث لا يغني الجزاء، ولو وفر القراء، ترى العالم القارئ أو جمهرة القراء كأنهم الطفل الممعود، لا أكثر من شروطه، ولا أقل من زاده، ولا أعجب من مطالبه ومقترحاته: تعطيه الحلوى فيطلب الفاكهة، وتعطيه الفاكهة فيطلب الخبز واللحم، وتعطيه الخبز واللحم فيطلب المطبوخ إذا أعطيته الشواء، ويطلب الشواء إذا أعطيته المطبوخ، ويتحكم وهو في مطعم الصدقة، أو شبيه بمطعم الصدقة!!
(العباس)