وكان هناك تنوُّع وتخصُّص في دراسة الطلاب؛ فهناك مدارس للشافعية، ومدارس للحنفية، ومدارس للمالكيَّة، ومدارس للحنابلة، ومدارس للحديث، ومدارس للقراءات، وغيرها من العلوم. وكان طلاب العلم يجدُّون وينصرِفون انصرافًا كليًّا إلى طلب العلم بدأب ومصابرة، فأتاح ذلك لأصحاب المواهب أن يَنبُغوا ويُبدِعوا، ويتركوا للأجيال زادًا قيِّمًا من المعرفة تَمثَّل بهذه المؤلفات المُدهِشة.
إن العلم وسيلة لكل غاية لذا فإن الله تعالى يهيئ لعباده الذين يسعون إلى طلب العلم طريق مفتوحًا لأجل الوصول بهم بعد ذلك إلى الجنة. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة). عندما يتم طلب العلم فإن المؤمن يكسب خشية الله ومخافته. ويصل به أن يكون متواضعًا للعباد وجاعلًا بينهم تواصل بالود والتراحم وذلك. كما قال تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور). إن الأجر من طلب العلم يظل باقيًا حتى بعد ممات الشخص وانقطاع عمله عن الدنيا. وذلك كما بلغنا الرسول صلى الله عليه وسلم (إذا مات الرجل انقطع عمله إلا من ثلاث ولد صالح يدعو له أو صدقة جارية أو علم ينتفع به). من فائدة العلم أيضًا أن من يطلبه ينال مكانة عالية في الحياة الدنيا ومنزلة كبيرة في الآخرة. وذلك في قوله تعالى (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير). إن العلم له الفائدة الكبرى على المؤمن وعلى حياته ومجتمعه وبخاصة الذين يطلبون العلم الشرعي. حيث أن الله تعالى قد اصطفي هؤلاء لأجل أن يجعلهم خير من يوصلون علمهم للناس كافة. وذلك ما قاله الرسول الكريم صل الله عليه وسلم (من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين).
5- أمة الإسلام أمة واحدة؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 92]، وكانت الحياة العلميَّة والتعليمية تحقُّق هذه الوَحدة، فقد كان التعارف قائمًا بين علماء هذه الأمة، يعرف بعضهم بعضًا من قبل أن يتقابلوا، وكان هناك تواصُل علمي بينهم على تَباعُد أقطارهم، وضعْف وسائل المواصلات، حتى غدوا كأنهم أسرة واحدة في بلدة واحدة، فالإمام أبو داود (المتوفى سنة 275) يؤلِّف كتابه "السنن" في بغداد، فيَطَّلِع عليه علماء أهل مكة، فيُرسِلون إليه رسالة يَستوضِحون فيها عن منهجه في كتابه، ويُجيبهم على ذلك برسالة نفيسة [9]. ويؤلِّف ابن عبدربه (أحمد بن محمد المتوفى 328هـ) كتابه "العقد الفريد" في الأندلس، فيَحرِص الصاحبُ بن عباد (إسماعيل بن علي المتوفى سنة 385هـ) على الحصول على نسخة من هذا الكتاب، فلما تأمَّله قال: هذه بضاعتنا رُدَّت إلينا [10]. ويقول الشاعر قصيدة في الحجاز، فلا تَمضي أسابيع حتى يُردِّدها الأدباء في الشام والعراق وخُراسان ومصر والأندلس. بينما نشكو في عصرنا الحاضر من تَفرُّق هذه الأمة الواحدة، ومن العُزلة القائمة بين أقطارها، نشكو من تفرُّق هذه الأمة إلى بلادٍ وممالكَ أقامها الاستعمار النصراني الأوربي، فوافَق عليه المسلمون وتبنَّوه، وإنا لله وإنا إليه راجعون، نشكو من هذا التقوقع في المجال الثقافي، فلا يعرف كثير من مثقَّفي أهل المشرق العربي إلا القليل من إنتاج إخوانهم في المغرب العربي، والأمر نفسه بالمقابل، بل إن التواصلَ الثقافي بين أهل المشرق أنفسهم ضعيف جدًّا، وكذا الحال في أهل المغرب.
حديث شريف عن النظافة والنظام أحاديث نبوية شريفة عن العلم إن الله عز وجل أولى العلم والعلماء أهمية بالغة وأوصى عباده على العلم والتعلم وحث رسوله الكريم صل الله عليه وسلم بأن يوصي أمته بالعلم لأن هذا هو أحب وأفضل الأعمال والعبادات ومن أكثر الأحاديث التي ورد فيها ذكر العلم وأهميته ما يلي: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله به طريقًا إلى الجنة. وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء. وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب إن العلماء ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهمًا إنما ورثوا العلم فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر). ويقول الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم (لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالًا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (سلوا الله علما نافعا، وتعوذوا بالله من علم لا ينفع). ويقول رسولنا الكريم (طلب العلم فريضة على كل مسلم). ويقول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم (فضل العلم أحب إلى من فضل العبادة وخير دينكم الورع).
وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ». حديث طالب العلم كالمجاهد في سبيل الله عَنْ أنسٍ، قالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، ﷺ: مَن خرَج في طَلَبِ العِلمِ، كان في سَبيلِ اللَّهِ حَتَّى يرجِعَ. رواهُ الترْمِذيُّ، وقال: حديثٌ حَسنٌ. عَنْ أَبي سَعيدٍ الخدْرِيِّ، عَنْ رسُولِ اللَّه ﷺ قَالَ: لَنْ يَشبَع مُؤمِنٌ مِنْ خَيْرٍ حَتَّى يَكُونَ مُنْتَهَاهُ الجَنَّةَ. رواهُ الترمذيُّ، وقَالَ: حديثٌ حسنٌ. عَنْ أَبي أُمَامة، أنَّ رَسُول اللَّه ﷺ قَالَ: فضْلُ الْعالِم عَلَى الْعابِدِ كَفَضْلي عَلَى أَدْنَاكُمْ ثُمَّ قَالَ: رسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنَّ اللَّه وملائِكَتَهُ وأَهْلَ السَّمواتِ والأرضِ حتَّى النَّمْلَةَ في جُحْرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلى مُعلِّمِي النَّاسِ الخَيْرْ.
ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من دعا إلى هدي كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا. ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا). قال رسول الله صل الله عليه وسلم (مرحبًا بطالب العلم إن طالب العلم لتحفه الملائكة وتظله بأجنحتها. ثم يركب بعضهم بعضًا حتى يبلغوا السماء الدنيا من حبهم لما يطلب).